17 - 07 - 2024

نبضة| الملائكة .. فى انتظاركم

نبضة| الملائكة .. فى انتظاركم

درجة الحرارة تعدت الخمسة وأربعين درجة.. تسير الأم بخطوات متثاقلة وقد التصقت ابنتها بصدرها، تتدلى أرجل الفتاة تكاد قدماها تلامس الأرض، والمسافة من باب كلية التجارة جامعة عين شمس وحتى باب مركز رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة تطول.. تتصبب عرقا ولكن لاتتوقف عن السير، اقتربت منها أعرض مساعدتها فى حمل حقيبة تتعلق برقبتها بها زجاجة مياه وبعض الحلوى للإبنة المعاقة ، الحقيبة تلتف حول عنقها مع نقل رأس الفتاة من كتف متعب لكتف ينتظرنصيبه من التعب، تلقى إلى بالحقيبة مع توجيه كلمات شكر، أواصل معها الطريق إلى المركز حتى وصلنا، المكان –على عكس صورة الأماكن الحكومية التى تقدم خدمة للجمهور- متسع به مقاعد مريحة وجدرانه تحمل رسوم أطفال، المكان يتسع للأعداد الكبيرة التى تتردد عليه من كل مصر، والأهم من اتساع المكان وملاءمته للأطفال، سماحة ولطف القائمين عليه، تشعر بوجود ألفة بينهم وبين المترددين وكأنهم عائلة، يعرفون عن الطفل وأسرته وظروفهم مايجعلهم رحماء، علمت من أم الطفلة المعاقة أنها تأتى من حلوان أسبوعيا لعمل جلسات لطفلتها التى ينمو جسدها لكن لاتنمو معه مهاراتها الحركية أو الذهنية، وعلمت منها أيضا أن هناك متبرع يتكفل بتكلفة علاج وجلسات ابنتها التى تحتاج لجلسات علاج طبيعى وتأهيل حركى وجلسات تنمية مهارات إجتماعية، ولولا توفر المتبرع لعجزت آآ الأم عن علاجها لأن تكلفة الانتقال من حلوان إلى العباسية فقط تربك ميزانية أسرتها.

داخل المركز لاحظت أن هناك "أم" لجميع الأطفال المترددين "جيهان عيسى" مكتبها يتسع لأى أم لديها مشكلة ورغم مشاغلها إلا أنها قادرة على توزيع اهتمامها على الجميع تحتفظ قسمات وجهها الجميل بابتسامة وقورة تمنح من يلجأ إليها إحساسا بالأمان.

يدخل عليها أب يستأذن فى انقطاع ابنته عن الجلسات أسبوعين لانشغال زوجته مع ابنتها الثانية فى الثانوية العامة وظروف عمله لاتسمح له

لوجود ضغط ولكنه يخشى لو انقطع أن تحرم ابنته من علاجها على حساب المتبرع، تستمع إليه بهدوء ، ثم تطلب أن يقدم ورقة مكتوبة بفترة الانقطاع وسببها لوضعها فى ملف الطفلة لحفظ حقها فى العلاج على حساب المتبرع.

يخرج الرجل وتدخل سيدة فى الأربعين من عمرها معها طفلة جميلة تقترب من أمها فى الطول، بلغة يملؤها العشم تتوجه الأم بحديثها: خالتى جيهان مش قادرة أستحمل ضرب ندى فى الصيام فين الدواء المهدئ اللى كنت باخده لندى كان بيهديها وبتنام بالليل، ترد إن شاء الله لما يتوفر، وعندما سألتها عن الدواء قالت كان هناك متبرع يوفر كميات منه وهو دواء موصوف لعدد كبير من الحالات "اللى عندهم نشاط زائد وعنف لأسباب مرضية"

تخرج ندى وأمها لتدخل سيدة تحمل روشتة كتبها الطبيب ولا تستطيع شراءها، وبعدها تدخل سيدة مطلوب عرض طفلها على عيادتين أى 60جنيها فقط، ولكنها لاتستطيع توفيره.. تستمع بكل إهتمام وتبحث عن حلول نموذجية، نتمنى أن يوجد فى كل الأماكن التى تتعامل مع المتعبين وأصحاب الحاجات.

المركز يقدم خدمة لا تتوفر فى أماكن أخرى، فهو يؤهل ذوى الاحتياجات الخاصة من خلال جلسات التخاطب والعلاج الطبيعى والعلاج الوظيفى بتقوية العضلات وتنمية التوافق الحركى والبصري، وتنمية المهارات الاجتماعية وتعديل السلوك غير المرغوب فيه وإكساب السلوكيات المرغوبة، وجلسات تخاطب.

تجميع كل هذه البرامج التأهيلية فى مكان واحد يوفر على الأهالى معاناة الانتقال والتردد على أكثر من مكان، خاصة وأن النسبة الأكبر من الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة يحتاجون لأكثر من برنامج.

المركز يتردد عليه يوميا من 400 - 500طفل، وعدد الأطفال الذين يترددون باستمرار نحو 5 آلاف طفل يحتاج علاجهم فترات طويلة ولو توقف العلاج لأى سبب تحدث إنتكاسة للطفل.

المركز ميزانيته لاتكفى لتحقيقآآ  أهدافه فى تقديم خدمة طبية ونفسية وتأهيلية متكاملة، وتأهيل أسرة الطفل المعاق على التعامل معه وتدريبها على كيفية التعامل والتصرف فى المشكلات التى تواجهها

لذا يبقى الأمل فى التبرع ولكن ليس للمركز صوت يصل فى إعلانات

التليفزيون .. فى المركز قائمة انتظار لأطفال ينتظرون زيارتكم وتبرعاتكم لينتظموا فى العلاج، وستعرف تبرعك موجها لأى طفل ستعرف إسمه وطريقة للتواصل مع أسرته لمتابعة حالته.. اذهبوا إليهم ستشعرون بلذة أن ترسم بسمة على وجه طفل مريض.. لذة أن ترفع المعاناة عن أم أو أب أرهقتهم تجربتهم مع إبن معاق نفسيا وبدنيا وماديا.

الملائكة تنتظركم، فاذهبوا إليهم.

---------

[email protected]

--------------

المقال منشور في المشهد الأسبوعي (عدد 29 - 5 -2018)

آ 

مقالات اخرى للكاتب

أنا وانت والمناخ | الموضة المستدامة